هل السوق الجزائري جاهز للسيارات الكهربائية؟

تاريخ النشر : 2022-11-28

لا شك أن قرار منع استيراد سيارات الديزل والسماح باستيراد السيارات الكهربائية يعتبر خطوة في الاتجاه الصحيح لمواكبة تطورات قطاع السيارات العالمي الذي يشهد قفزة نوعية في هذا النوع من السيارات، خصوصا وأن أغلب الشركات المصنعة للسيارات ستتخلى عن المحركات التقليدية بحلول عام 2035, ما يترك الجزائر في سباق لتطوير وترقية حضيرة السيارات بما يتماشى مع الإنتاج العالمي للسيارات.

وقد دخلت الجزائر فعلا هذا السباق من بابه الواسع من خلال دفتر الشروط الجديد لتصنيع السيارات من جهة، والذي يلزم المصنعين بإدخال موديل واحد على الأقل في تشكيلتها ابتداء من السنة الخامسة من النشاط، ومن خلال دفتر شروط استيراد السيارات من جهة أخرى, والذي يمنع استيراد سيارات الديزل, ويسمح باستيراد السيارات الكهربائية والهجينة, ولكن هل السوق الجزائري جاهز لهذا النوع من السيارات؟ وما هي النظرة العامة لهذا القانون الجديد؟ وما يجب معرفته حول هذا النوع من السيارات والانتقال الطاقوي المصاحب لها؟

في هذا المقال سنحاول الإجابة عن هاته الأسئلة مع إعطائكم نظرة عامة حول مختلف متطلبات قطاع السيارات الكهربائية، مع إعطاء أمثلة عملية تساعدكم على فهم الموضوع كما يجب.

أولا، أنواع السيارات الكهربائية

عندما نتحدث عن السيارات الكهربائية، نفهم مباشرة أننا نتحدث عن سيارات تحتوي على نوع ما من الطاقة الكهربائية إما لتدوير عجلات السيارة أو لمساعدة المحرك على تقديم آداء أفضل، ويمكن تقسيم السيارات الكهربائية إلى العديد من الأصناف حسب نوع البطارية ونوع المحرك ونوع خلية الوقود، ولكن سنبسطها لكم في ثلاث أنواع فقط:

-السيارات الهجينة Hybrid : هي سيارة تستمد طاقتها 100% من البنزين، وتحتوي على محرك حراري ومحرك كهربائي مقترن مع بطارية صغيرة، حيث تملأ هاته البطارية بالكهرباء عن القيام بعملية الكبح، لتوفر الطاقة إلى المحرك الكهربائي الذي يمكن أن يقوم بتسيير السيارة لمدة قصيرة سواء لخفض استهلاك الوقود أو تقديم طاقة إضافية للسيارة.

-السيارات الهجينة القابلة للشحن Plug-in Hybrid Electric Vehicle أو PHEV: هي سيارة يمكن النظر إليها كالسيارة الهجينة سابقة الذكر، ولكن مع بطارية أكبر ومحرك أقوى أكثر تدخلا في عملية سير السيارة ومع مقبس للشحن الكهربائي، إذ يمكن قيادة السيارة على الطاقة الكهربائية بنسبة 100% ولكن لمسافة قصيرة، كما يمكن قيادتها بالمحرك الحراري الذي يعمل على البنزين، بالإضافة إلى مزيج بين الطاقة الكهربائية والحرارية.

-السيارات الكهربائية بالبطارية BEV أو Battery Electric Vehicle : هي سيارات 100% كهربائية، تستعمل بطارية قابلة للشحن لتزويد المحرك الكهربائي بالطاقة لتحريك السيارة.

كانت هاته الأنواع العامة للسيارات الكهربائية، وحيث يمتلك كل نوع محاسنه ومساوئه حسب حاجة الزبون وحسب هدف الحفاظ على البيئة المسطر من طرف كل دولة.

أي هاته الأنواع سيتوجب على الوكيل الجزائري استيراده أو المصنع تصنيعه؟ لا يوجد نوع محدد حسب دفتر الشروط الجديد، ما يترك إمكانية استيراد كل الأنواع المذكورة سابقا، أو إمكانية تحديد صنف واحد حسب الأهداف المسطرة من طرف الجزائر وحسب البنى التحتية التي سنتطرق إليها لاحقا في هذا المقال.

ثانيا، أسعار السيارات الكهربائية

حسب معرفتنا بالمستهلك الجزائري، فإن سعر السيارة هو أهم عامل يفكر فيه عند اقتناء السيارة، و حسب معرفتنا بأسعار السيارات فإن السيارات الكهربائية تعتبر من أكثر السيارات تكلفة مقارنة بالسيارات التقليدية، فعلى سبيل المثال السعر الابتدائي للتويوتا كورولا الهجينة يقدر بـ 22800 دولار أمريكي، مقارنة بـ 21550 دولار أمريكي لنفس السيارة بمحرك حراري فقط, على العموم السيارات الهجينة ليست مكلفة جدا مقارنة بنظيرتها التي تعمل بمحرك تقليدي وحيد.

و يكبر هذا الفرق في السعر في السيارات الهجينة القابلة للشحن، مثلا تكلف نسخة Style من الغولف الهجينة قابلة للشحن قيمة 45220 أورو, أما نفس النسخة بأقوى محرك احتراق داخلي فتكلف 39780 أورو , هنا فقط تبدأ الأمور تتضح فيما يخص اقتناء السيارات الكهربائية في الجزائر.

أما بخصوص السيارات الكهربائية 100%, فتعتبر هي الأغلى في أغلب الفئات، فعلى سبيل المثال تكلف البيجو 208 الكهربائية بنسخة GT حوالي 40000 يورو (باحتساب تخفيض 6000 يورو الخاص بالسيارات الكهربائية)، أما الـ 208 بنفس النسخة وبأقوى محرك فتكلف 30020 يورو, أما بأصغر محرك فتكلف 26420يورو فقط ... تقريبا نصف السعر... هذا ما يعطينا فكرة عامة عن أسعار السيارات الكهربائية.

ويجدر بنا الذكر أن بعض العلامات توفر سيارات كهربائية رخيصة الثمن وموجهة لذوي الدخل المحدود كسيارة سيارة داسيا سبرينغ والتي تأتي بسعر ابتدائي مقدر بـ 15184 يورو (باحتساب تخفيض 5616 يورو الخاص بالسيارات الكهربائية)، وسيارة تاتا تياغو التي تأتي بحوالي 9562,60 يورو حسب سعر الصرف الحالي.

أهم نقطة هي أن الأسعار المذكورة أعلاه هي أسعار شاملة للسيارة والبطارية المرفقة معها كون البطارية هي أغلى قطعة في السيارة الكهربائية، ويمكن خفض أسعار السيارات الكهربائية عند اقتناءها بصيغة كراء البطارية التي توفرها اغلب العلامات، حيث سيمكن الزبون من اقتناء السيارة بسعر منخفض بحوالي 20% إلى 30% مقارنة بسعر السيارة الأصلي، و لكن مع دفع قيمة شهرية متوسطة مقابل كراء البطارية.

السؤال الذي يطرح نفسه بإلحاح هو التالي: هل الزبون الجزائري مستعد لدفع هاته المبالغ لاقتناء سيارة كهربائية بالكامل؟ الإجابة على هذا السؤال سهلة جدا، طبعا لا، خصوصا عند الأخذ بعين الاعتبار غياب البنى التحتية التي يجب أن تصاحب هاته السيارات، وغياب أي تفاصيل حول التحفيزات الحكومية التي يجب ان تمس هذا النوع من السيارات، أما السيارات الهجينة والهجينة القابل للشحن فيمكنها استقطاب فئة قليلة ومحددة من الزبائن.

كما يجدر الإشارة إلى أن السوق الجزائري للسيارات متعطش إلى سيارات متوسطة الفئة والتي تمس شريحة كبيرة من المواطنين.

هاته المعطيات تمنحنا فكرة عما سيكون عليه الطلب على السيارات الكهربائية في حالة تم استيرادها حقا، والذي إن صح القول سيكون قليلا جدا إذ سيمس فئة قليلة فقط من المواطنين.

ثالثا، البنية التحتية

كما هو معلوم، يجب أن يصاحب استيراد السيارات الكهربائية، مشاريع أخرى أكثر أهمية إذ لا يكفي استيراد سيارات كهربائية وترك مختلف النفقات الإضافية وكيفية استعمال السيارة تقع على كاهل الزبون والمواطن، وفي فقرتنا هاته سنذكر نقطتين مهمتين في البنية التحتية.

محطات الشحن: محطات الشحن بالنسبة للسيارات الكهربائية هي نفسها محطات الوقود بالنسبة للسيارات التقليدية، وفيما يبدو تجهيز محطات الوقود العادية بشواحن كهربائية خاصة بالسيارات أمرا سهلا، إلا انه ليس كذلك على الإطلاق، إذ يتطلب دراسة معمقة حول مستوى الشحن الأكثر طلبا، بالإضافة إلى تجهيزات وقطع مكلفة ووصل فعال بالكهرباء، كما لا يمكن استخدام كل الشواحن الكهربائية في نفس محطة الشحن كونها توفر طاقة محدودة في آن واحد. ضف إلى ذلك الوقت التي تتطلبه بطاريات السيارات لتشحن، على الأقل 20 دقيقة وأكثر لكل سيارة حسب نوع الشاحن المستعمل.

كما يجب وضع محطات الشحن في مناطق إستراتيجية حتى يتسنى لملاك السيارات الكهربائية شحن سيارتهم في الطريق دون القلق حول نفاذ البطارية أو الوصول إلى المنزل ليتم شحن السيارة من جديد، كما يجب أيضا وضع محطات الشحن في الخرائط الخاصة بالجزائر، حتى يتسنى للسيارات عرضها على السائق، كما يتسنى للسائق برمجة واختيار طريقه حسب توفر محطات الشحن.

ما محل الجزائر من كل هذا؟ لحد الساعة لا محطات شحن ولكن مشروع ذكر سابقا حول إستيراد أجهزة الشحن و  تركبيها في المستقبل على مستوى محطات الخدمات التابعة لنفطال الموزعة على طول الطريق السيار شرق غرب, مع توفير شحن كهربائي أرخص بـ 5 مرات من السيارة التي تعمل بالوقود، على العموم، يجب ان تسبق هاته المشاريع بداية تسويق السيارات الكهربائية، وهذا لتشجيع المواطن على اقتناءها.

تعطى أهمية كبيرة لمحطات الشحن عند التحدث عن السيارات الكهربائية 100% أو على الأقل السيارات الهجينة القابلة للشحن، فعلى سبيل المثال سيتمكن ملاك السيارات الهجينة والهجينة القابلة للشحن من استعمال البنزين بطريقة عادية في حالة غياب محطات الشحن، هذا ما يتركنا أمام حقيقة موجعة، لماذا يشتري الزبون سيارة هجينة بكل مساوئها تاركا سيارة تعمل بمحرك تقليدي بدون هاته المساوئ المتعلقة بمحطات الشحن؟ الإجابة على هذا السؤال تجدونها في فقرة التحفيزات الحكومية والأهداف المسطرة.

قطع الغيار واليد العاملة المؤهلة: تقى خدمات ما بعد البيع من الأمور المهمة للزبون بعد اقتنائه للسيارة، حيث سيتوجب خلق شبكة متخصصة في قطع غيار السيارات الكهربائية بكل أنواعها، مع تأسيس تكوينات فعالة في صيانة هذا النوع من المركبات الذي يعتبر جديدا على السوق الجزائري.

رابعا، ما هو الهدف من استيراد السيارات الكهربائية؟ وما هي التحفيزات؟

الهدف الأول من تعميم استعمال السيارات الكهربائية هو حماية البيئة والتقليص من انبعاثات الكربون والغازات السامة التي تنتجها السيارات التي تعمل على محركات الاحتراق الداخلي، ليأتي بعد ذلك التخلص من تبعية استعمال المحروقات والموارد الغير المتجددة التي تستهلك بصفة متزايدة مؤخرا، ثم في الأخير مواكبة التطور التكنلوجي في مجال السيارات عموما.

ولكي نتمكن من تعميم وحتى التشجيع على اقتناء السيارات الكهربائية، يجب أول أن نفهم أولا ثم نقتنع ثانيا من هدف السيارات الكهربائية، لذلك وجب القيام بحملات تحسيسية وتوعوية حول هذا الموضوع في القريب العاجل، كما وجب توفير مختلف التحفيزات التي من شأنها دفع الزبون إلى ترك السيارات التقليدية الأقل تكلفة واختيار السيارات الكهربائية الأكثر تكلفة.

فعلى سبيل المثال، تقترح العديد من الدول التي تشجع اقتناء السيارات الكهربائية قروضا معتبرة لزبائن السيارات الكهربائية، وحتى تخفيضات تمس السعر النهائي للسيارة، مع الإعفاء من العديد من الضرائب وتقديم امتيازات أخرى متمثلة في إمكانية السير في خطوط خاصة وتخفيضات على عملية شحن السيارة وحتى على أماكن الاصطفاف.

كما تقوم بعض الدول، بالتوازي مع التحفيزات، بوضع ضرائب إضافية وتكاليف إضافية على السيارات التقليدية التي تعمل بمحركات احتراق داخلي، لكي تبعد الزبائن عن هذا النوع من السيارات.

بهذا، ما علينا سوى الانتظار لمعرفة ما إذا ستقدم الجزائر تحفيزات مماثلة أم لا.

خامسا، عملية السيارات الكهربائية

السيارات الكهربائية لا تختلف إطلاقا عن السيارات التي اعتدنا عليها، طبعا حسب الفئة، سواء بالنسبة للحمولة، المساحة الداخلية، راحة الركاب، وغيرها، ولكن ما يمكن أن يتغير هو عادات وفترات الصيانة والتي تصبح أطول مقارنة بالسيارات التقليدية، ولكن مكلفة أكثر بسبب غلاء القطع الكهربائية.

والأمر الإضافي الذي يؤثر على عملية السيارة الكهربائية هو كيفية ومدة الشحن، لنأخذ مثالين فقط حتى نفهم مدى عملية السيارة الكهربائية:

المثال الأول: الاستعمال في المدينة

في حالة اقتناء سيارة كهربائية بحيث يكون استعمالها في المدينة يوميا، هنا يمكن القول انها ستكون عملية جدا، كون اغلب السيارات الكهربائية توفر مدى أقله 200 كيلومتر كسيارة رونو زوي مثلا، ما يمكن لمالك السيارة السير بكل اريحية في المدينة مع شحن السيارة عند عودته إلى المنزل من خلال الشاحن المنزلي.

عند إسقاط هذا المثال على الجزائر، أكبر مشكل نجده هو مشكل الشحن المنزلي بحيث أغلب الكثافة السكانية متمركزة في عمارات عديدة، فكيف سيتمكن الملاك من الشحن؟ وهل ستتحمل البنى التحتية الكهربائية للأحياء هذا الضغط؟ لا نملك الإجابة حاليا كون مشروع السيارات الكهربائية في الجزائر لا يزال في بدايته، ولكن نتمنى أن تؤخذ هاته الفكرة بعين الاعتبار.

المثال الثاني: الاستعمال خارج المدينة

عند استعمال السيارة الكهربائية للطرق الطويلة، تنقص عمليتها وهذا بسبب لزوم تحديد مسار الطريق بعناية ليوفر أكبر عدد ممكن من محطات الشحن، مع الانتباه إلى مستوى البطارية على الطريق والقيادة بطريقة لاقتصادية قدر المستطاع، وتحمل وقت إعادة الشحن الذي يمكن أن يكون طويلا جدا حسب نوع الشاحن والسيارة، هذا ما لا نجده على الإطلاق في السيارات التقليدية.

في الجزائر طبعا سنواجه نفس الصعوبات في الطرقات الطويلة، وهذا حسب توزيع محطات الشحن، وحتى حسب الإعلان عنها في الخرائط المستعملة من طرف السيارة.

أخيرا، ما هي المتغيرات التي تقود سوق السيارات الكهربائية:

كما هو معلوم، سوق السيارات الكهربائية في تطور مستمر، وهذا بقيادة القرارات الحكومية التي من تريد تسهيل الانتقال الطاقوي للحد من تبعية المحروقات، بالإضافة إلى الاستثمارات الكبيرة من طرف مصنعي السيارات لإنتاج سيارات أكثر اعتمادية وأكثر صديقة للبيئة مع توفير موديلات عديدة منها، ضف إلى ذلك البنى التحتية التي تصاحب استهلاك السيارات الكهربائية من محطات شحن وصيانة والتي تتنافس في إنتاجها شركات عديدة مؤخرا.

كيف ستؤثر هاته المتغيرات على السوق الجزائري مستقبلا؟ لا يمكن التكهن حاليا كون المشروع جديد ويتطلب وقتا ليتضح لنا بصفة كاملة.

كانت هاته بعض الأفكار العامة حول مجال ومشروع السيارات الكهربائية والهجينة، وعن مدى قابلية سير هذا المشروع في الجزائر مع الأخذ بعين الاعتبار مختلف المعطيات الحالية.


#إستيراد السيارات # تصنيع السيارات # السيارات الكهربائية
أخبار السيارات

أخبار أخرى